فصل: 2181 - مَسْأَلَةٌ : الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ بَعْدَ مُدَّةٍ ‏,‏ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْإِقْرَارُ أَمْ الاسْتِتَارُ بِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


2174 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

فِيمَنْ أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ لَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ أَوْ ارْتَدَّ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى الشِّرْكِ فَقَدْ حَلَّ دَمُهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ ‏,‏ وَالْعَبْدُ هَاهُنَا كُلُّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ‏,‏ فَكُلُّنَا عَبِيدُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَمَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ ‏,‏ هَذَا أَقَلُّ أَحْوَالِهِ إنْ سَلِمَ مِنْ الرِّدَّةِ بِنَفْسِ فِرَاقِهِ جَمَاعَةَ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَانْحِيَازِهِ إلَى أَرْضِ الشِّرْكِ ‏:‏ بِمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ ثنا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعْدٍ الْمِهْرَانِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلاَمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الرِّدَّةِ ‏"‏ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا مَعَ ذِكْرِ الْعَبْدِ الآبِقِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْمَمَالِيكَ فَقَطْ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ لَيْسَ الْإِبَاقُ لَفْظًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ لَنَا فَقَطْ ‏,‏ بَلْ كُلُّ مَنْ هَرَبَ عَنْ سَيِّدِهِ وَمَالِكِهِ فَهُوَ آبِقٌ ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْجَمِيعِ ‏,‏ وَالْكُلُّ عَبِيدُهُ وَمَمَالِيكُهُ ‏,‏ فَمَنْ هَرَبَ عَنْ جَمَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَعَلَى دَارِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى دَارِ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ آبِقٌ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏}‏ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِعْلَ يُونُسَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حُرٌّ بِلاَ خِلاَفٍ إذْ فَرَّ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ تَعَالَى إبَاقًا

فَصَحَّ أَنَّ الْإِبَاقَ لِكُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا فَأَبَقَ غُلاَمٌ لِجَرِيرٍ فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَلاَ يُسْقِطُ عَنْ اللَّاحِقِ بِالْمُشْرِكِينَ لِحَاقُهُ بِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي أَصَابَهَا قَبْلَ لِحَاقِهِ ‏,‏ وَلاَ الَّتِي أَصَابَهَا بَعْدَ لِحَاقِهِ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْحُدُودَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَرْسَلَهَا وَلَمْ يُسْقِطْهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْ الْمُرْتَدِّ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْمُحَارِبِ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْمُمْتَنِعِ ‏,‏ وَلاَ عَنْ الْبَاغِي ‏,‏ إذَا قُدِرَ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَيْهِمْ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَحَدًا مِنْ هَؤُلاَءِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ إعْنَاتًا لَنَا ‏,‏ وَلاَ أَهْمَلَهُ ‏,‏ وَلاَ أَغْفَلَهُ ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يُعْلِمْنَا بِذَلِكَ فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ قَطُّ إسْقَاطَ حَدٍّ أَصَابَهُ لاَحِقٌ بِالشِّرْكِ قَبْلَ لِحَاقِهِ ‏,‏ أَوْ أَصَابَهُ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِهِمْ ‏,‏ أَوْ أَصَابَهُ مُرْتَدٌّ قَبْلَ رِدَّتِهِ أَوْ بَعْدَهَا ‏,‏ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ هَذَا فَمُخْطِئٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِإِسْقَاطِهِ ‏,‏ وَهُوَ مَا أَصَابَهُ أَهْلُ الْكُفْرِ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَتَذَمَّمُوا أَوْ يُسَلِّمُوا فَقَطْ ‏,‏ فَهَذَا خَارِجٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ‏,‏ فَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا سَلَف لَهُمْ مِنْ قَتْلٍ ‏,‏ أَوْ زِنًا ‏,‏ أَوْ قَذْفٍ ‏,‏ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ‏,‏ أَوْ سَرِقَةٍ ‏,‏ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ بِذَلِكَ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ‏}‏ مَا قَدْ سَلَفَ

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏ ‏.‏ فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ بِلاَ شَكٍّ فَإِذْ هُوَ مِنْهُمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ‏.‏ وَذَكَرُوا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ يَعْنِي أَبَا عَاصِمٍ النَّبِيلَ أَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ شُمَامَةَ الْمَهْرِيِّ ثنا مُضَرٌ ثنا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ يَبْكِي طَوِيلاً ‏,‏ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ‏,‏ وَفِيهِ قَالَ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ‏:‏ اُبْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ ‏,‏ فَبَسَطَ يَمِينَهُ ‏,‏ فَقَبَضْتُ يَدِي فَقَالَ ‏:‏ مَا لَكَ يَا عَمْرُو فَقُلْتُ ‏:‏ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ تَشْتَرِطُ مَاذَا قُلْتُ ‏:‏ أَنْ يُغْفَرَ لِي ‏,‏ قَالَ ‏:‏ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ‏,‏ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا ‏,‏ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْكَلاَمِ

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ‏,‏ لأَِبْرَاهِيمَ بْنُ دِينَارٍ وَاللَّفْظُ لأَِبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ ثنا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ‏:‏ إنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إلَيْهِ لَحَسَنٌ ‏,‏ وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ، وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ إلَى قَوْلِهِ يَلْقَ أَثَامًا ‏,‏ و قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآيَةَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ تَمَامُ الآيَةِ الْأُولَى إلَى قَوْله حَسَنَاتٍ‏.‏ وَالْأُخْرَى إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا‏.‏ وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ بَلْ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَنَعَمْ ‏,‏ هَكَذَا نَقُولُ ‏,‏ وَلَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ ‏,‏ وَلاَ هِيَ مَسْأَلَتُنَا ‏,‏ وَإِنَّمَا مَسْأَلَتُنَا ‏:‏ هَلْ تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ السَّالِفَةُ أَمْ لاَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ مِنْ هَذَا حُكْمٌ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ مِنْ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَلاَ مِنْ السُّنَّةِ ‏,‏ وَأَنَّ التَّائِبَ مِنَّا مَغْفُورٌ لَهُ ‏,‏ وَأَنَّ مَاعِزًا مَغْفُورٌ لَهُ وَالْغَامِدِيَّةِ ‏,‏ وَالْجُهَيْنِيَّةَ ‏:‏ مَغْفُورٌ لَهُمَا بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ وَلَمْ تُسْقِطْ عَنْهُمْ مَغْفِرَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ذَنْبَهُمْ ‏:‏ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَ فِي الدُّنْيَا ‏,‏ وَإِنَّمَا أَسْقَطَتْ مَغْفِرَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُمْ عَذَابَ الآخِرَةِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْحَدُّ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ مَعَ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ أَقَامَ عَلَيْهِمْ حَدَّ الزِّنَى الَّذِي قَدْ غَفَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ‏.‏ وَقَدْ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ فِي الْقَذْفِ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ وَجَلَدَ النُّعْمَانَ فِي الْخَمْرِ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ ‏,‏ وَجَلَدَ عُمَرُ رضي الله عنه بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ ‏,‏ كُلُّ مَا فَعَلَ فِي الْخَمْرِ ‏,‏ وَلَوْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُغِيرَةِ لَحَدَّهُ وَهُوَ بَدْرِيٌّ مَغْفُورٌ لَهُ مَا قَدْ فَعَلَ

فَصَحَّ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ الْوَاجِبَةَ فِي الدُّنْيَا ‏,‏ وَمَنْ خَالَفَ هَذَا وَقَالَ ‏:‏ إنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ كُلَّهَا خَالَفَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَا ‏,‏

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لِذَلِكَ قَبْلَ هَذَا بِأَبْوَابٍ يَسِيرَةٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إسْقَاطُ الْحُدُودِ عَلَى مَنْ أَبَقَ إلَيْهِمْ ‏,‏ أَوْ ارْتَدَّ ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهَا ‏:‏ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ ‏,‏ وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ بَلَى ‏,‏ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُمْ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِمْ

قلنا ‏:‏ لَهُمْ هَذَا وَاضِحٌ ‏,‏

وبرهان ذَلِكَ ‏:‏ إجْمَاعُكُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ ‏,‏ بِخِلاَفِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ إذَا أَدَّى الْجِزْيَةَ صَاغِرًا وَتَذَمَّمَ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ أَصْلاً عِنْدَكُمْ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ تُنْكَحُ الْمُرْتَدَّةُ بِخِلاَفِ الْمُشْرِكَةِ الْكِتَابِيَّةِ ‏,‏ وَأَنَّهُ لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ بِخِلاَفِ الْمُشْرِكِ الْكِتَابِيِّ ‏,‏ وَلاَ يُسْتَرَقُّ الْمُرْتَدُّ إنْ سُبِيَ كَمَا يُسْتَرَقُّ الْمُشْرِكُ إنْ سُبِيَ فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِبُطْلاَنِ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ فَأَبْطَلْتُمْ أَنْ يُقَاسَ الْمُرْتَدُّ عَلَى الْكَافِرِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ ‏,‏ وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ لاَ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِمْ فِي سُقُوطِ الْحُدُودِ ‏,‏ فَهُوَ أَحْوَطُ لِقِيَاسِكُمْ ‏,‏ وَلاَحَ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لاَ النَّصَّ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ اتَّبَعُوا ‏,‏ وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا ‏,‏ وَلاَ تَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مِنْ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ فَقَطْ وَهَذَا حَقٌّ لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ ‏,‏ وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ ‏,‏ وَلاَ يُسْتَرَقُّ إجْمَاعًا ‏:‏ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَهْلِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ أَوْ كَذِبِهِ ‏,‏ فَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ ‏:‏ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ‏,‏ وَعَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ‏:‏ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ إنْ ارْتَدَّ إلَى دَيْنٍ صَابِئٍ‏.‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ ‏:‏ إنَّ الْمُرْتَدَّةَ إذَا لَحِقَتْ بِأَرْضِ الْحَرْبِ سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ وَلَمْ تُقْتَلْ ‏,‏ وَلَوْ أَنَّهَا هَاشِمِيَّةٌ أَوْ عَبْشَمِيَّةٌ‏.‏

حدثنا حمام ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ ‏:‏ أَنَّ عَامِلاً لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي رَجُلٍ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنْ اسْأَلْهُ عَنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَهَا فَاعْرِضْ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ ‏,‏ فَإِنْ أَبَى فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهَا فَغَلِّظْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَدَعْهُ‏.‏ قَالَ مَعْمَرٌ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ ‏:‏ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ لَمْ يَمْكُثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى ارْتَدُّوا فَكَتَبَ فِيهِمْ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَدَعْهُمْ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَهُوَ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ حُجَّةً ‏,‏ لأََنَّ فِيهِ تَسْوِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الإِسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ ، وَلاَ أَحَدَ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّ الْحَجَّ لاَ يُسْقِطُ حَدًّا أَصَابَهُ الْمَرْءُ قَبْلَ حَجِّهِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ ‏,‏ وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ دُونَهُ ‏,‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَتَحَكَّمُوا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْمِلُوا قَوْلَهُ عليه السلام إنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّ الإِسْلاَمَ يُسْقِطُ الْحُدُودَ الَّتِي وَاقَعَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ إسْلاَمِهِ ‏,‏ وَيَجْعَلُ الْحَجَّ لاَ يُسْقِطُهَا ‏,‏ وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجِيئًا وَاحِدًا ‏,‏ وَأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ ضِدُّ قَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ‏,‏ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا ‏,‏ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ ‏,‏ فَقَالُوا هُمْ ‏:‏ إنَّ الرِّدَّةَ إلَى الْكُفْرِ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ قِيَاسًا لِلْكُفْرِ عَلَى الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ إلَى الشَّيْطَانِ ‏,‏ وَاللِّحَاقَ بِدَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ ‏,‏ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْحُدُودِ ‏,‏ قِيَاسًا عَلَى الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى دَارِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ وَأَنَّ الْحَجَّ لاَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا عَيْنُ الْعِنَادِ وَالْخِلاَفِ وَالْمُكَابَرَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي ثَبَاتِ الْحُدُودِ أَوْ سُقُوطِهَا ‏,‏ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي الْمَغْفِرَةِ‏.‏ وَإِذَا

قلنا ‏:‏ إنَّ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِلذُّنُوبِ لاَ تُسْقِطُ الْحُدُودَ الْوَاجِبَةَ فِي تِلْكَ الذُّنُوبِ إِلاَّ حَيْثُ صَحَّ النَّصُّ ‏,‏ وَالْإِجْمَاعُ بِإِسْقَاطِهَا فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ فِي الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ يَبْتَدِئُ الإِسْلاَمَ فَقَطْ‏.‏ وَنَحْنُ نَقُولُ ‏:‏ إنَّ الإِسْلاَمَ وَالْهِجْرَةَ الصَّادِقَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ عليه السلام ، وَأَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الذُّنُوبِ ‏,‏ وَمِنْ صِفَةِ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الإِسْلاَمِ الْحَسَنِ ‏,‏ وَالْهِجْرَةِ الصَّادِقَةِ وَالْحَجِّ الْمَبْرُورِ أَنْ يَتُوبَ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ سَلَفَ قَبْلَهُ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏,‏ وَالأَعْمَشُ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ ‏:‏ مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏,‏ وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَحُكْمُ الْإِحْسَانِ فِي الإِسْلاَمِ هُوَ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَسْلَفَهُ أَيَّامَ كُفْرِهِ ‏,‏ وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى مَعَاصِيهِ ‏:‏ فَمَا أَحْسَنَ فِي إسْلاَمِهِ بَلْ أَسَاءَ فِيهِ ‏,‏

وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَهْجُرْ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏,‏ فَلَيْسَ تَامَّ الْهِجْرَةِ وَكُلُّ حَجٍّ أَصَرَّ صَاحِبُهُ عَلَى الْمَعَاصِي فِيهِ فَلَمْ يُوفِ حَقَّهُ مِنْ الْبِرِّ ‏,‏ فَلَيْسَ مَبْرُورًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2175 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الاسْتِتَابَةُ فِي الْحُدُودِ وَتَرْكُ سَجْنِهِ

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ حَضَرْت عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ جَلَدَ إنْسَانًا الْحَدَّ فِي فِرْيَةٍ ‏,‏ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ ‏:‏ إنَّ مِنْ الأَمْرِ أَنْ يُسْتَتَابَ عِنْدَ ذَلِكَ ‏,‏ فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِلْمَجْلُودِ ‏:‏ تُبْ ‏,‏ فَحَسِبْته ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ كُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ‏,‏ أَوْ زَنَى ‏,‏ أَوْ افْتَرَى ‏,‏ أَوْ شَرِبَ ‏,‏ أَوْ سَرَقَ ‏,‏ أَوْ حَارَبَ ‏,‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ سُنَّةُ الْحَدِّ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ جَلْدِهِ ‏,‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ إنْ قَالَ ‏:‏ قَدْ تُبْت وَهُوَ غَيْرُ رَضِيٍّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ ‏,‏ لأََنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُذْنِبٍ ‏,‏ وَلأََنَّ الدُّعَاءَ إلَى التَّوْبَةِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ حَرَامًا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا الْمُتَيَقَّنِ ‏:‏ فَالتَّوْبَةُ وَالْإِقْلاَعُ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا ‏,‏ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَلَمَّا كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُفْتَرَضُ سُلُوكُهَا وَكَانَتْ مِنْ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ ‏:‏ كَانَ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَدْعُوَ إلَيْهَا بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا ‏,‏ وَاسْتِتَابَةُ الْمُذْنِبِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ فَالْمُسَارَعَةُ إلَى الْفَرْضِ فَرْضٌ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَتِبْهُ الْإِمَامُ ‏,‏ أَوْ مَنْ حَضَرَهُ إِلاَّ حَتَّى أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ‏,‏ فَوَاجِبٌ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْدَ الْحَدِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ اُسْتُتِيبَ ‏,‏ فَإِنْ تَابَ أُطْلِقَ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ بِحَبْسٍ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهُ قَدْ أُخِذَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ الَّذِي لاَ حَقَّ لَهُ قَبْلَهُ سِوَاهُ ‏,‏ فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّه تَعَالَى ‏,‏ وَهَذَا حَرَامٌ‏.‏

2176 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ لاَ أَتُوبُ ‏,‏ فَقَدْ أَتَى مُنْكَرًا ‏,‏ فَوَاجِبٌ أَنْ يُعَزَّرَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي ‏"‏ كِتَابِ التَّعْزِيرِ ‏"‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ فَيَجِبُ أَنْ يُضْرَبَ أَبَدًا حَتَّى يَتُوبَ ‏,‏ هَذَا إنْ صَرَّحَ بِأَنْ لاَ يَتُوبَ ‏,‏ فَإِذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى مَنِيَّتِهِ ‏,‏ فَذَلِكَ عَقِيرَةُ اللَّهِ ‏,‏ وَقَتِيلُ الْحَقِّ ‏,‏ لاَ شَيْءَ عَلَى مُتَوَلِّي ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهُ أَحْسَنُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏}‏ فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ ‏:‏ أَتُوبُ ‏,‏ وَلاَ ‏:‏ لاَ أَتُوبُ ‏,‏ فَوَاجِبٌ حَبْسُهُ وَإِعَادَةُ الأَسْتِتَابَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَنْطِقَ بِالتَّوْبَةِ ‏,‏ فَيُطْلَقَ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْهُ الذَّنْبُ ‏,‏ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ ‏,‏ وَلاَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ إِلاَّ بِنُطْقِهِ بِهَا ‏,‏ فَهُوَ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهَا وَبِالْإِصْرَارِ ‏:‏ فَمُمْكِنٌ أَنْ يَتُوبَ فِي نَفْسِهِ ‏,‏ وَمُمْكِنٌ أَنْ لاَ يَتُوبَ ‏,‏ فَلَمَّا كَانَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ مُمْكِنًا لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُنْكَرٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَجُزْ تَسْرِيحُهُ ‏,‏ لأََنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ دُعَاؤُهُ إلَى التَّوْبَةِ حَتَّى يَتُوبَ ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ إلَى إمْسَاكِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى تَابَ ثُمَّ وَاقَعَ الذَّنْبَ أَوْ غَيْرَهُ ‏,‏ فَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَانِ مُرْسَلاَنِ فِي أَنَّهُ اسْتَتَابَ السَّارِقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَمَعْمَرٌ ‏,‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏,‏ وَسُفْيَانُ ‏,‏ كِلاَهُمَا ‏:‏ عَنْ أَبِي خَصْفَةَ ‏,‏ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ ثَوْبَانَ ‏,‏ وَقَالَ مَعْمَرٌ ‏:‏ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ‏,‏ قَالَ أَيُّوبُ ‏,‏ وَابْنُ ثَوْبَانَ ‏:‏ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا سَرَقَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا إخَالُهُ ‏,‏ أَسَرَقْتَ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَاذْهَبُوا فَاقْطَعُوا يَدَهُ ‏,‏ ثُمَّ احْسِمُوهَا ‏,‏ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ ‏,‏ فَأَتَوْهُ بِهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنِّي أَتُوبُ إلَى اللَّهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ قَطَعَ رَجُلاً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَحُسِمَ قَالَ لَهُ تُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ ‏:‏ أَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَقَعَتْ فِي النَّارِ ‏,‏ فَإِنْ عَادَ تَبِعَهَا ‏,‏ وَإِنْ تَابَ اسْتَشَالَهَا‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ اسْتَشَالَهَا اسْتَرْجَعَهَا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ هَذَانِ مُرْسَلاَنِ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِيمَا أَوْرَدْنَا مِنْ النُّصُوصِ قَبْلُ ‏,‏ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُمَا لِئَلَّا يُمَوِّه مُمَوِّهٌ بِمَا فِيهِمَا مِنْ الأَسْتِتَابَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2177- مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الامْتِحَانُ فِي الْحُدُودِ ‏,‏ وَغَيْرِهَا ‏:‏ بِالضَّرْبِ ‏,‏ أَوْ السِّجْنِ أَوْ التَّهْدِيدِ

قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله ‏:‏ لاَ يَحِلُّ الأَمْتِحَانُ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ بِضَرْبٍ ‏,‏ وَلاَ بِسَجْنٍ ‏,‏ وَلاَ بِتَهْدِيدٍ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ ‏,‏ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ النُّصُوصِ بَلْ قَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏ فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ ‏,‏ وَالْعِرْضَ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ مُسْلِمٍ ‏,‏ وَلاَ سَبُّهُ إِلاَّ بِحَقٍّ أَوْجَبَهُ الْقُرْآنُ ‏,‏ أَوْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ‏}‏ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ مُسْلِمًا مِنْ الْمَشْيِ فِي الأَرْضِ بِالسَّجْنِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْجَبَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ صَحَّ قِبَلَهُ حَقٌّ وَلَوَاهُ وَمَنَعَهُ ‏,‏ فَهُوَ ظَالِمٌ قَدْ تُيُقِّنَ ظُلْمُهُ ‏,‏ فَوَاجِبٌ ضَرْبُهُ أَبَدًا حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا عَلَيْهِ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ وَلأََمْرِهِ عليه السلام بِجَلْدِ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ فِيمَا دُونَ الْحَدِّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي ‏"‏ بَابِ التَّعْزِيرِ ‏"‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَوْ يُعْلَمُ مَكَانُهُ ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ كُلِّفَ إقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْجَانِيَ فَلاَ يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ ذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّهَا شَهَادَةٌ ‏,‏ وَمَنْ كَتَمَ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ‏}‏ ‏.‏ فَإِذْ هُوَ فَاسِقٌ آثِمٌ ‏,‏ فَلاَ يَنْتَفِعُ بِقَوْلِهِ ‏,‏ لاَ يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حِينَئِذٍ ‏,‏ وَهُوَ مُجَرَّحٌ بِذَلِكَ أَبَدًا مَا لَمْ يَتُبْ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُهَدَّدَ أَحَدٌ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُرَوَّعَ بِأَنْ يُبْعَثَ إلَى ظَالِمٍ يَعْتَدِي عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كُلَّ هَذَا حَرَامٌ فِي الذِّمِّيِّ كَمَا هُوَ فِي الْمُسْلِمِ ‏,‏ فَإِنْ ضُرِبَ حَتَّى أَقَرَّ ‏,‏ فَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي هَذَا ‏:‏ مَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ‏:‏ أَنَّ طَارِقًا كَانَ جَعَلَ ثَعْلَبًا الشَّامِيَّ عَلَى الْمَدِينَةِ يَسْتَخْلِفُهُ ‏,‏ فَأَتَى بِإِنْسَانٍ اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ ‏,‏ فَلَمْ يَزَلْ يَجْلِدُهُ حَتَّى اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ ‏,‏ فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَاسْتَفْتَاهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ لاَ تَقْطَعْ يَدَهُ حَتَّى يُبْرِزَهَا‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَمَا إنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ إقْرَارُهُ فَقَطْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ‏,‏ لأََنَّ أَخْذَهُ بِإِقْرَارٍ هَذِهِ صِفَتُهُ لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ بَشَرَتِهِ وَدَمِهِ بِيَقِينٍ ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنْ اسْتَضَافَ إلَى الْإِقْرَارِ أَمْرٌ يَتَحَقَّقُ بِهِ يَقِينًا صِحَّةُ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَلاَ يُشَكُّ فِي أَنَّهُ صَاحِبُ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلَهُ الْقَوَدُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ضَرَبَهُ السُّلْطَانَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لأََنَّهُ ضَرَبَهُ ظَالِمًا لَهُ دُونَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ ضَرْبٌ وَهُوَ عُدْوَانٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ وَلَيْسَ ظُلْمُهُ ‏,‏ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ لِغَيْرِهِ ‏,‏ بِمُسْقِطِ حَقِّهِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي ظُلْمِهِ لَهُ ‏,‏ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ ‏,‏ وَيُعْطِي هُوَ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ ‏,‏ وَغَيْرُهُ ‏,‏ فِي السَّارِقِ يُمْتَحَنُ فَيُخْرِجُ السَّرِقَةَ بِعَيْنِهَا ‏:‏ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ دَفَعَهَا إلَيَّ إنْسَانٌ أَدْفَعُهَا لَهُ ‏,‏ وَإِنَّمَا اعْتَرَفْتُ لِمَا أَصَابَنِي مِنْ الضَّرْبِ ‏:‏ فَلاَ يُقْطَعُ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَهَذَا صَحِيحٌ ‏,‏‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ‏.‏

وَأَمَّا الْبَعْثَةُ فِي الْمُتَّهَمِ وَإِيهَامُهُ دُونَ تَهْدِيدٍ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ فَحَسَنٌ وَاجِبٌ ‏:‏ كَبَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ الَّتِي رَضَّ رَأْسَهَا فَسِيقَ إلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ عليه السلام حَتَّى اعْتَرَفَ فَأَقَادَ مِنْهُ‏.‏ وَكَمَا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ وَأَسَرَّ إلَى أَحَدِهِمْ ‏,‏ ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَوَهِمَ الآخَرُ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ ‏,‏ ثُمَّ دَعَا بِالآخَرِ فَسَأَلَهُ فَأَقَرَّ ‏,‏ حَتَّى أَقَرُّوا كُلُّهُمْ ‏:‏ فَهَذَا حَسَنٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ إكْرَاهَ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ ضَرْبَ‏.‏ وَقَدْ كَرِهَ هَذَا مَالِكٌ ‏,‏ وَلاَ وَجْهَ لِكَرَاهِيَتِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ مَحْظُورٌ ‏,‏ وَهُوَ فِعْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ ‏,‏ وَإِنَّمَا الْكُرْهُ‏.‏ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَا مِنْ كَلاَمٍ يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ عِنْدَ سُلْطَانٍ إِلاَّ تَكَلَّمْت بِهِ‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ السِّجْنُ كَرْهُ ‏,‏ وَالْوَعِيدُ كَرْهُ ‏,‏ وَالْقَيْدُ كَرْهُ ‏,‏ وَالضَّرْبُ كَرْهُ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد رحمه الله ‏:‏ كُلُّ مَا كَانَ ضَرَرًا فِي جِسْمٍ ‏,‏ أَوْ مَالٍ ‏,‏ أَوْ تُوُعِّدَ بِهِ الْمَرْءُ فِي ابْنِهِ ‏,‏ أَوْ أَبِيهِ ‏,‏ أَوْ أَهْلِهِ ‏,‏ أَوْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ‏,‏ فَهُوَ كَرْهُ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ‏.‏ وَلِ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأََخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ‏.‏

2178 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الشَّهَادَةُ عَلَى الْحُدُودِ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَأْمُرُ بِالشُّهُودِ إذَا شَهِدُوا عَلَى السَّارِقِ أَنْ يَقْطَعُوهُ يَلُونَ ذَلِكَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ لَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتَةٌ ‏,‏ لَكِنْ طَاعَةُ الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِهِ وَاجِبَةٌ ‏,‏ فَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُهُ الشُّهُودَ ‏,‏ أَوْ غَيْرَهُمْ أَنْ يَقْطَعَهُ لَزِمَتْهُمْ الطَّاعَةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى ثَلاَثَةٍ أَنَّهُمْ سَرَقُوا ‏,‏ قَالَ ‏:‏ يُقْطَعُونَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله ‏:‏ وَهَكَذَا نَقُولُ وَلَوْ شَهِدَ عَدْلاَنِ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ ‏,‏ أَوْ أَكْثَرَ ‏,‏ بِقَتْلٍ ‏,‏ أَوْ بِسَرِقَةٍ ‏,‏ أَوْ بِحِرَابَةٍ ‏,‏ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ ‏,‏ أَوْ بِقَذْفٍ ‏:‏ لَوَجَبَ الْقَوَدُ ‏,‏ وَالْقَطْعُ ‏,‏ وَالْحَدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِمْ مُجْتَمَعِينَ ‏,‏ وَبَيْنَ شَهَادَتِهِمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عَلَى عُدُولٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ ‏:‏ نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكَذَا وَكَذَا ‏,‏ مِثْلَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِمْ أَوْ شَيْئًا آخَرَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ أَصْلاً وَوَجَبَ إنْفَاذُ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ السَّابِقَيْنِ إلَى الشَّهَادَةِ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ بِمَا ذَكَرْنَا قَدْ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُمْ ‏,‏ وَصَحَّتْ جَرْحَتُهُمْ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدَا بِهِ ‏,‏ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ ‏,‏ فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ ‏,‏ أَوْ بَعْضُ الْمَعَاصِي الَّتِي لاَ تُوجِبُ حَدًّا ‏,‏ كَالْغَصْبِ ‏,‏ وَغَيْرِهِ ‏:‏ فَهُوَ مُجَرَّحٌ فَاسِقٌ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَلاَ شَهَادَةَ لِمُجَرَّحٍ فَاسِقٍ أَصْلاً‏.‏ فَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ‏:‏ وَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَعُودَ عَدَالَتُهُمْ ‏,‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا مَقْبُولَتَانِ ‏,‏ وَيَنْفُذُ عَلَى كِلاَ الطَّائِفَتَيْنِ شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهَا الْأُخْرَى ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ شَهَادَةٌ وَاجِبَةٌ قَبُولُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ‏,‏ فِي أَمْرِهِ تَعَالَى بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ فَإِنْ شَهِدَتْ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعًا لَمْ تَسْبِقْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ الْأُخْرَى ‏:‏ إمَّا عِنْدَ حَاكِمَيْنِ ‏,‏

وَأَمَّا فِي عَقْدَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَاحِدٍ ‏,‏ فَهُمَا أَيْضًا شَهَادَتَانِ قَائِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ ‏,‏ فَإِنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ تَبْطُلُ بِيَقِينٍ لاَ شَكٍّ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى ‏,‏ فَلَوْ قَبِلْنَاهُمَا مَعًا ‏,‏ لَكُنَّا قَدْ صِرْنَا مُوقِنِينَ بِأَنَّنَا نُنَفِّذُ الشَّهَادَةَ الآنَ دَأْبًا حُكْمًا بِشَهَادَةِ فُسَّاقٍ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ مِنْهُمَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْجُرْحَةَ عَلَى الْأُخْرَى ‏,‏ وَالْمَنْعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْأُخْرَى‏.‏ وَلَوْ حَكَمْنَا بِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُطَارَفَةً لَكَانَ هَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ ‏,‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ تَرْجِيحَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُرَجِّحَ الشَّهَادَةَ هَاهُنَا بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ ‏,‏ أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا ‏:‏ فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ ‏,‏ وَالْحُكْمُ بِمِثْلِ هَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

2179 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

مَنْ شَهِدَ فِي حَدٍّ بَعْدَ حِينٍ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ مَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ حِينَ أَصَابَهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى ضَغَنٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ‏:‏ بَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ زَنَى فِي صِبَاهُ وَاطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ رَهْطٌ عُدُولٌ ‏,‏ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَمْرَهُ ‏,‏ وَلَبِثَ بِذَلِكَ سِنِينَ ‏,‏ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ ‏,‏ ثُمَّ نَازَعَ رَجُلاً فَرَمَاهُ بِذَلِكَ ‏,‏ وَأَتَى عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَاعْتَرَفَ ‏,‏ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ ‏,‏ لاَ يَضَعُ الْحَدَّ عَنْ أَهْلِهِ طُولُ زَمَانٍ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يُحْدِثُ صَاحِبُ ذَلِكَ حُسْنَ هَيْئَةٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ ‏:‏ يُرِيدُ بِصِبَاهُ ‏:‏ سَفَهَهُ بَعْدَ الأَحْتِلاَمِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏:‏ إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عُدُولٌ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ بِالزِّنَى بَعْدَ مُدَّةٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ مِقْدَارُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ شَهْرٌ وَاحِدٌ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلاَنِ مُسْلِمَانِ حُرَّانِ بِسَرِقَةٍ بَعْدَ مُدَّةٍ فَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِ ‏,‏ لَكِنْ يَضْمَنُ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ‏.‏ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِشُرْبِ خَمْرٍ ‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ وَرِيحُ الْخَمْرِ تُوجَدُ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ وَهُوَ سَكْرَانُ ‏:‏ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ ذَهَابِ الرِّيحِ أَوْ السُّكْرِ ‏,‏ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا حَمَلُوهُ إلَى الْإِمَامِ فِي مِصْرٍ آخَرَ ‏,‏ فَزَالَ الرِّيحُ أَوْ السُّكْرُ فِي الطَّرِيقِ ‏:‏ فَإِنَّهُ يُحَدُّ‏.‏ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ بِقَذْفٍ أَوْ جِرَاحَةٍ حُدَّ لِلْقَذْفِ ‏,‏ وَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ‏.‏

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَصْحَابُهُ ‏,‏ وَأَصْحَابُنَا ‏:‏ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَإِذْ قَدْ بَلَغَنَا هَاهُنَا فَلْنَتَكَلَّمْ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُكْمِ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى حَدٍّ ‏,‏ أَهُوَ فِي حَرَجٍ إنْ كَتَمَ الشَّهَادَةَ أَمْ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ فَنَقُولُ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ‏}‏ ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ ‏.‏

وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ‏,‏ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏,‏ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كُلِّهَا ‏,‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَوَجَدْنَا الْعَمَلَ فِي جَمْعِهَا الَّذِي لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ غَيْرِهِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ ‏:‏ إمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يُخَصَّ عُمُومُ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِالآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ ‏,‏ إذْ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْعَمَلَيْنِ ‏,‏ فَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الآيَاتِ بِالْخَبَرِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّهَادَاتِ كُلِّهَا ‏,‏ وَالْإِعْلاَنِ بِهَا فَرْضٌ ‏,‏ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْهَا سَتْرُ الْمُسْلِمِ فِي حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ ‏,‏ فَالأَفْضَلُ السَّتْرُ ‏,‏ وَإِنْ خَصَّصْنَا عُمُومَ الْخَبَرِ بِالآيَاتِ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ حَسَنٌ ‏,‏ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ‏.‏

فَنَظَرْنَا ‏:‏ أَيْ هَذَيْنِ الْعَمَلَيْنِ هُوَ الَّذِي يَقُومُ الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّتِهِ فَيُؤْخَذُ بِهِ ‏,‏ إذْ لاَ يَحِلُّ أَخْذُ أَحَدِهِمَا مُطَارَفَةً دُونَ الآخَرِ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا جَمْعًا جَمِيعًا ‏,‏ بَلْ الْحَقُّ فِي أَحَدِهِمَا بِلاَ شَكٍّ‏.‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَدْنَا السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِي نُدِبْنَا إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا ‏:‏ إمَّا يَسْتُرُهُ وَيَسْتُرُ عَلَيْهِ فِي ظُلْمٍ يَطْلُبُ بِهِ الْمُسْلِمُ ‏,‏ فَهَذَا فَرْضٌ وَاجِبٌ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ ‏,‏ بَلْ هُوَ كَالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ‏.‏

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الذَّنْبِ يُصِيبُهُ الْمُسْلِمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ بِإِبَاحَةِ السَّتْرِ عَلَى مُسْلِمٍ فِي ظُلْمٍ ظَلَمَ بِهِ مُسْلِمًا ‏,‏ كَمَنْ أَخَذَ مَالَ مُسْلِمٍ بِحِرَابَةٍ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ ‏,‏ أَوْ غَصَبَهُ امْرَأَتَهُ ‏,‏ أَوْ سَرَقَ حُرًّا ‏,‏ وَمَا أَشْبَهَهُ ‏,‏ فَهَذَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُومَ بِهِ حَتَّى يَرُدَّ الظُّلاَمَاتِ إلَى أَهْلِهَا

فَنَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَوَجَدْنَاهُ نَدْبًا لاَ حَتْمًا ‏,‏ وَفَضِيلَةً لاَ فَرْضًا ‏,‏ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى الْمُسْلِمِ يَرَاهُ عَلَى حَدٍّ بِهَذَا الْخَبَرِ ‏,‏ مَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا ‏,‏ فَإِنْ سُئِلَ عَنْهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إقَامَتُهَا وَأَنْ لاَ يَكْتُمَهَا ‏,‏ فَإِنْ كَتَمَهَا حِينَئِذٍ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَصَحَّ بِهَذَا اتِّفَاقُ الْخَبَرِ مَعَ الآيَاتِ ‏,‏ وَأَنَّ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَتَحْرِيمَ كِتْمَانِهَا ‏,‏ وَكَوْنَ الْمَرْءِ ظَالِمًا بِذَلِكَ ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ إذَا دُعِيَ فَقَطْ ‏,‏ لاَ إذَا لَمْ يُدْعَ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ‏,‏ أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ فَكَانَ هَذَا عُمُومًا فِي كُلِّ شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِ حَدٍّ ‏,‏ وَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ‏}‏ فَسَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ وُجُوبِ أَدَاءِ الْمَرْءِ الشَّهَادَةَ عَلَى نَفْسِهِ ‏,‏ وَعَلَى وَالِدَيْهِ ‏,‏ وَأَقَارِبِهِ ‏,‏ وَالأَبَاعِدِ ‏,‏ فَوَجَبَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لاَ حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا مَا لَمْ يُسْأَلْهَا حَدًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِذَا سُئِلَهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا حَدًّا أَوْ غَيْرَهُ ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ لأَِنْسَانٍ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ ‏,‏ وَالْمَشْهُودُ لَهُ لاَ يَدْرِي بِهَا ‏:‏ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ إعْلاَمُهُ بِهَا ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قِيلَ ‏:‏ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏:‏ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ ‏,‏ وَلأََئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَعَامَّتِهِمْ فَإِنْ سَأَلَهُ الْمَشْهُودُ أَدَاءَهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ فَرْضًا ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ عَلَى إنْسَانٍ بِزِنَى ‏,‏ فَقَذَفَ ذَلِكَ الزَّانِي إنْسَانٌ فَوَقَفَ الْقَاذِفُ عَلَى أَنْ يُحَدَّ لِلْمَقْذُوفِ ‏,‏ فَفَرْضٌ عَلَى الشَّاهِدِ عَلَى الْمَقْذُوفِ الزَّانِي أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ سُئِلَهَا أَوْ لَمْ يُسْأَلْهَا عَلِمَ الْقَاذِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يُؤَدِّهَا حِينَئِذٍ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ ‏.‏ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ‏.‏ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا‏.‏ فَهَذَا إذَا أَدَّى الشَّهَادَةَ الَّتِي عِنْدَهُ بِصِحَّةِ مَا قَذَفَ بِهِ ‏,‏ مُعِينٌ عَلَى إقَامَةِ حَدٍّ بِحَقٍّ غَيْرُ ظَالِمٍ بِهِ ‏,‏ مُعِينٌ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا ‏:‏ مُعِينٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ‏,‏ وَهُوَ ظَالِمٌ قَدْ أَسْلَمَهُ لِلظُّلْمِ ‏,‏ إذْ تَرَكَهُ يُضْرَبُ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا ‏:‏ مَا ناه يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ قَالُوا ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَسُورِ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ ‏:‏ إنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ الآخَرَ زَنَى ‏,‏ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ هَلْ ذَكَرْتَ ذَلِكَ لِغَيْرِي فَقَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ‏:‏ فَتُبْ إلَى اللَّهِ ‏,‏ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ ‏,‏ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ‏,‏ فَلَمْ تَقِرَّ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لأََبِي بَكْرٍ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَمَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَقِرَّ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ الآخَرَ زَنَى ‏,‏ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَنْهُ حَتَّى إذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بَعَثَ إلَى أَهْلِهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَيَشْتَكِي ‏,‏ أَبِهِ جِنَّةٌ فَقَالُوا ‏:‏ لاَ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ فَقَالُوا ‏:‏ بَلْ ثَيِّبٌ ‏:‏ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ‏.‏ قَالَ سَعِيدٌ ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هُزَالٌ ‏:‏ لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ‏.‏ قَالَ يَحْيَى ‏:‏ فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ الأَسْلَمِيُّ فَقَالَ يَزِيدُ هُزَالٌ جَدِّي وَهَذَا الْحَدِيثُ حَقٌّ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ لَمْ يُسْنِدْهُ سَعِيدٌ ‏,‏ وَلاَ يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ‏,‏ وَلَوْ انْسَنَدَ لَمَا خَرَجَ مِنْهُ إِلاَّ أَنَّ السَّتْرَ ‏,‏ وِتْرَك الشَّهَادَةِ أَفْضَلُ فَقَطْ هَذَا عَلَى أُصُولِ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ إذَا سَلِمَ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

2180 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

اخْتِلاَفُ الشُّهُودِ فِي الْحُدُودِ

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ ‏,‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ ‏:‏ أَنَّ كُلَّ مَا تَمَّتْ بِهِ الشَّهَادَةُ ‏,‏ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِهَا ‏,‏ فَإِنَّ كُلَّ مَا زَادَهُ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ فَلاَ حُكْمَ لَهُ ‏,‏ وَلاَ يَضُرُّ الشَّهَادَةَ اخْتِلاَفُهُمْ ‏,‏ كَمَا لاَ يَضُرُّهَا سُكُوتُهُمْ عَنْهُ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا لاَ تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إِلاَّ بِهِ ‏:‏ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهَا اخْتِلاَفُهُمْ ‏,‏ فَالشَّهَادَةُ إذَا تَمَّتْ مِنْ أَرْبَعَةِ عُدُولٍ بِالزِّنَى عَلَى إنْسَانٍ بِامْرَأَةٍ يَعْرِفُونَهَا أَجْنَبِيَّةٍ ‏,‏ لاَ يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ ‏,‏ أَوْ فِي الزَّمَانِ ‏,‏ أَوْ فِي الْمَزْنِيِّ بِهَا ‏,‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ‏:‏ أَمْسِ بِامْرَأَةٍ سَوْدَاءَ ‏,‏

وقال بعضهم ‏:‏ بِامْرَأَةٍ بَيْضَاءَ الْيَوْمَ ‏:‏ فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ ‏,‏ وَالْحَدُّ وَاجِبٌ ‏,‏ لأََنَّ الزِّنَى قَدْ تَمَّ عَلَيْهِ ‏,‏ وَلاَ يُحْتَاجُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى ذِكْرِ مَكَان ، وَلاَ زَمَانٍ ‏,‏ وَلاَ إلَى ذِكْرِ الَّتِي زَنَى بِهَا فَالسُّكُوتُ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ وَذِكْرُهُ سَوَاءٌ

وَكَذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ ‏,‏ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَمْسُ ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ عَامَ أَوَّلٍ ‏,‏ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ بِمَكَّةَ ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ بِبَغْدَادَ ‏,‏ فَالسَّرِقَةُ قَدْ صَحَّتْ ‏,‏ وَتَمَّتْ الشَّهَادَةُ فِيهَا ، وَلاَ مَعْنَى لِذِكْرِ الْمَكَانِ ‏,‏ وَلاَ الزَّمَانِ ‏,‏ وَلاَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِيهِ ‏,‏ أَوْ اتَّفَقَا فِيهِ ‏,‏ أَوْ سَكَتَا عَنْهُ ‏,‏ لأََنَّهُ لَغْوٌ ‏,‏ وَحَدِيثٌ زَائِدٌ ‏,‏ لَيْسَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ ‏,‏ وَفِي الْقَذْفِ ‏:‏ فَالْحَدُّ قَدْ وَجَبَ ‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لِذِكْرِ الْمَكَانِ ‏,‏ وَالْمَقْذُوفُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَذِكْرُهُ ‏,‏ وَالأَتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَالأَخْتِلاَفُ فِيهِ سَوَاءٌ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

وَمَنْ ادَّعَى الْخِلاَفَ فِي ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ اخْتِلاَفَ الشُّهُودِ فِي لِبَاسِ الزَّانِي ‏,‏ وَالسَّارِقِ ‏,‏ وَالشَّارِبِ ‏,‏ وَالْقَاذِفِ ‏,‏ فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ كَانَ فِي رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ عِمَامَةٌ ‏,‏ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَخْضَرُ ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ بَلْ أَحْمَرُ ‏,‏ وَقَالَ أَحَدُهُمَا ‏:‏ فِي غَيْمٍ ‏,‏ وَقَالَ الآخَرُ ‏:‏ فِي صَحْوٍ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ‏.‏

فإن قال قائل ‏:‏ إنَّ الْغَرَضَ فِي مُرَاعَاةِ الأَخْتِلاَفِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ ‏,‏ وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَكَانِ ‏,‏ أَوْ الزَّمَانِ ‏,‏ أَوْ الْمَقْذُوفِ ‏,‏ أَوْ الْمَزْنِيِّ بِهَا ‏,‏ أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ ‏:‏ فَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ

قلنا ‏:‏ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ ‏,‏ وَأَيُّ قُرْآنٍ ‏,‏ أَوْ سُنَّةٍ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَأَيُّ نَظَرٍ أَوْجَبَهُ وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ ‏,‏ بَلْ الْغَرَضُ إثْبَاتُ الزِّنَى الْمُحَرَّمِ ‏,‏ وَالْقَذْفِ الْمُحَرَّمِ ‏,‏ وَالسَّرِقَةِ الْمُحَرَّمَةِ ‏,‏ وَالشُّرْبِ الْمُحَرَّمِ ‏,‏ وَالْكُفْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ مَزِيدَ ‏,‏ وَبَيَانُ ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ فَصَحَّ بِهَذِهِ الآيَةِ ‏:‏ أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ الزِّنَى فَقَطْ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ ‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لِذِكْرِهِ الَّتِي رَمَاهَا ، وَلاَ سُكُوتِهِ عَنْهُ ‏,‏ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ‏:‏ عَلَى أَنَّ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَى حَقٌّ ‏,‏ وَلاَ نُبَالِي عَمَلاً وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَرْبَعَةَ أَعْمَالٍ ‏,‏ لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ زِنًا‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ لِمُحْصَنَةٍ ‏,‏ فَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً ‏,‏ وَلَمْ يَحُدَّ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الزَّمَانِ ‏,‏ وَلاَ ذِكْرُ الْمَكَانِ فَالزِّيَادَةُ لِهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ‏,‏ وَلاَ بِمُرَاعَاتِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا‏}‏ فَحَسْبُنَا ‏,‏ وَصِحَّةُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهَا سَارِقَةٌ ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ سَارِقٌ ‏,‏ وَلَمْ نَجِدْ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الزَّمَانَ ‏,‏ أَوْ الْمَكَانَ ‏,‏ أَوْ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ ‏,‏ فَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ وَهَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَأَوْجَبَ الْجَلْدَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ ‏,‏ فَإِذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ ‏,‏ بِنَصِّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ ذِكْرِ مَكَان ‏,‏ أَوْ زَمَانٍ ‏,‏ أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ ‏,‏ أَوْ صِفَةِ الْإِنَاءِ إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِذَلِكَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ ‏:‏ شَهِدَ الْجَارُودُ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَّرَ قُدَامَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ ‏:‏ مَنْ يَشْهَدُ مَعَك قَالَ ‏:‏ عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ فَدَعَا عَلْقَمَةَ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ بِمَ تَشْهَدُ فَقَالَ عَلْقَمَةُ ‏:‏ وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَصِيِّ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا ‏,‏ قَالَ عَلْقَمَةُ ‏:‏ رَأَيْته يَقِيءُ الْخَمْرَ فِي طَسْتٍ ‏,‏ قَالَ عُمَرُ ‏:‏ فَلاَ وَرَبِّك مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا ‏:‏ فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ ‏,‏ فَهَذَا حُكْمٌ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِشَهَادَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا ‏:‏ أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ ‏,‏ وَالْأُخْرَى ‏:‏ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَشْرَبُهَا ‏,‏ لَكِنْ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا وَعَهِدْنَاهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَالْجَارُودَ ‏,‏ وَجَمِيعَ مَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ فَلاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏.‏

2181 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ بَعْدَ مُدَّةٍ ‏,‏ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْإِقْرَارُ أَمْ الأَسْتِتَارُ بِهِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْمُخْتَارَةُ لِلسَّتْرِ ‏,‏ وَأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ مُبَاحٌ ‏,‏ وَأَنَّ الأَعْتِرَافَ مُبَاحٌ ‏,‏ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الأَفْضَلِ ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ‏:‏ إنَّ الْمُعْتَرِفَ بِمَا عَمِلَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ ‏:‏ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي اعْتِرَافِهِ ‏,‏ وَلاَ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَطُّ ‏:‏ إنَّ السَّاتِرَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَصَابَ مِنْ حَدٍّ ‏:‏ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ الأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ‏,‏ إِلاَّ خَبَرًا وَاحِدًا فِي آخِرِهَا ‏,‏ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ هُزَالٍ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنِ ابْنِ هِزَالٍ عَنْ أَبِيهِ ‏:‏ فَمُرْسَلٌ ‏,‏ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّهُ مُرْسَلٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَيَزِيدَ بْنِ النَّعِيمِ أَيْضًا مُرْسَلٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ‏:‏ مُرْسَلٌ أَيْضًا‏.‏ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ أَيْضًا فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَنَّهُ مُرْسَلٌ ‏,‏

وَالثَّانِي ‏:‏ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ ضَعِيفٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلاً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلاً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا مُرْسَلاً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحُبُلِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ فَوَجَدْنَاهُ مُرْسَلاً‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ‏,‏ فَفِيهِ أَبُو الْمُنْذِرِ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَأَبُو أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ ‏,‏ وَحَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقُولُ إِلاَّ الْحَقَّ فَلَوْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَّذِي سِيقَ إلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ لَكُنَّا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام قَدْ صَدَقَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَأَنَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَلْقِينٌ لَهُ ‏,‏ وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ فِي الْإِجْهَادِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ ‏:‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَالثَّانِي ‏:‏ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّ الْإِجْهَادَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَرْءُ مُفْتَخِرًا بِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ الْإِمَامُ مُعْتَرِفًا لِيُقَامَ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ وَإِنَّمَا فِيهِ ذَمُّ الْمُجَاهَرَةِ بِالْمَعْصِيَةِ وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ حَرَامٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَضَ عَنْ الْمُعْتَرِفِ مَرَّاتٍ فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ لأََحَدٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّ النَّاسَ فِي سَبَبِ إعْرَاضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ ‏:‏ فَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ ‏,‏ لأََنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَى لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِتَمَامِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ ‏,‏ وَطَائِفَةٌ قَالَتْ ‏:‏ إنَّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ عليه السلام لأََنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِهِ جُنُونًا ‏,‏ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ ‏:‏ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتُرَهُ ، وَلاَ يُقِيمَهُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ ‏,‏ وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلاَمَ فِي تَصْحِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمْ يَبْقَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ أَصْلاً ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ ‏:‏ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِمَا لِلأَسْلَمِيِّ ‏:‏ اسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ ‏,‏ فَلاَ تَصِحُّ ‏,‏ لأََنَّهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلَةٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فَهُوَ مُرْسَلٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى ‏,‏ فَوَجَدْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ الطَّائِفَةَ مِنْهُمْ قَالَتْ ‏:‏ مَا تَوْبَةٌ أَفْضَلَ مِنْ تَوْبَةِ مَاعِزٍ ‏:‏ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ ‏:‏ اُقْتُلْنِي بِالْحِجَارَةِ‏.‏ فَصَحَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، بَلْ لَوْ

قلنا ‏:‏ إنَّهُ لاَ مُخَالِفَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لَصَدَقْنَا ‏,‏ لأََنَّ الطَّائِفَةَ الْأُخْرَى لَمْ تُخَالِفْهَا ‏,‏ وَإِنَّمَا قَالَتْ ‏:‏ لَقَدْ هَلَكَ مَاعِزٌ ‏,‏ لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَإِنَّمَا أَنْكَرُوا أَمْرَ الْخَطِيئَةِ لاَ أَمْرَ الأَعْتِرَافِ ‏,‏ فَوَجَدْنَا تَفْضِيلَ الأَعْتِرَافِ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفُهُ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الآثَارِ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ ‏,‏ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ تَوْبَةَ مَاعِزٍ ‏,‏ وَالْغَامِدِيَّةِ ‏,‏ وَذَكَرَ عليه السلام ‏:‏ أَنَّ تَوْبَةَ مَاعِزٍ لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ، وَأَنَّ الْغَامِدِيَّةَ لَوْ تَابَ تَوْبَتَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ، وَأَنَّ الْجُهَيْنِيَّةَ لَوْ قُسِمَتْ تَوْبَتُهَا بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ ‏,‏ ثُمَّ رَفَعَ عليه السلام الْإِشْكَالَ جُمْلَةً ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الأَعْتِرَافَ بِالذَّنْبِ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَفْضَلُ مِنْ الأَسْتِتَارِ لَهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاَ أَفْضَلَ مِنْ جُودِ الْمُعْتَرِفِ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا‏.‏ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ‏,‏ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏,‏ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلِّهِمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو ‏,‏ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ ‏:‏ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا ‏,‏ وَلاَ تَزْنُوا ‏,‏ وَلاَ تَسْرِقُوا ‏,‏ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ‏,‏ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ‏,‏ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ‏,‏ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ‏,‏ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ‏,‏ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ رحمه الله ‏:‏ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَحَّ بِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْلاَمِهِ أُمَّتَهُ ‏,‏ وَنَصِيحَتِهِ إيَّاهُمْ بِأَحْسَنَ مَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ تَعَالَى ‏,‏ أَنَّ مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَأَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبُ ‏,‏ وَكَفَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي ‏:‏ أَنْ يَقِينَ الْمَغْفِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعْزِيرِ فِي إمْكَانِهَا أَوْ عَذَابِ الآخِرَةِ ‏,‏ وَأَيْنَ عَذَابُ الدُّنْيَا كُلِّهَا مِنْ غَمْسَةٍ فِي النَّارِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا فَكَيْفَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَصَحَّ أَنَّ اعْتِرَافَ الْمَرْءِ بِذَنْبِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ السَّتْرِ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَأَنَّ السَّتْرَ مُبَاحٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

2182 - مَسْأَلَةٌ ‏:‏

تَعَافُوا الْحُدُودَ قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَى الْحَاكِمِ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ أَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا أَبُو دَاوُد أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ‏.‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ تَعَافُوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ مُرَقَّعٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلاً سَرَقَ بُرْدَةً فَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ ‏,‏ قَالَ فَلَوْلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ يَا أَبَا وَهْبٍ فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ الْعَلاَءِ الرَّقِّيِّ ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ ، هُوَ ابْنُ أَبِي بَشِيرٍ أَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ فِي بُرْدِهِ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ ‏,‏ فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ ‏,‏ فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ قَالَ صَفْوَانُ ‏:‏ مَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي رِدَائِي قَالَ ‏:‏ فَلَوْ مَا كَانَ هَذَا قَبْلُ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى خَمِيصَةٍ لِي ثَمَنُ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا ‏,‏ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي ‏,‏ فَأَخَذَ الرَّجُلَ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ ‏,‏ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ‏:‏ تَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلاَثِينَ دِرْهَمًا ‏,‏ أَنَا أَضَعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا قَالَ ‏:‏ فَهَلاَّ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ الْمَكِّيَّ حَدَّثَهُ ‏:‏ أَنَّهُ قِيلَ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ ‏:‏ لاَ دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مَا أَقْدَمَكَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قِيلَ لِي ‏:‏ إنَّهُ لاَ دِينَ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ ‏,‏ قَالَ فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ إلَى أَبَاطِيحِ مَكَّةَ ثُمَّ جِيءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ هَذَا سَرَقَ خَمِيصَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْطَعُوا يَدَهُ قَالَ ‏:‏ عَفَوْتُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ ‏.‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ ‏,‏ قِيلَ لَهُ ‏:‏ إنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ ‏,‏ فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدِينَةَ فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ ‏,‏ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ ‏,‏ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ‏,‏ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ ‏,‏ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ ‏,‏ فَقَالَ صَفْوَانُ ‏:‏ إنِّي لَمْ أُرِدْهُ بِهَذَا ‏,‏ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ ‏.‏

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏ وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ ‏,‏ فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ ‏:‏ إذَا بَلَغْت بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ

قال أبو محمد رحمه الله ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي الآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلاً ‏:‏ أَمَّا الأَوَّلُ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرٍو ‏,‏ وَهِيَ صَحِيفَةٌ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَلاَ يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهَا كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ ‏,‏ لأََنَّهَا عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ ‏,‏ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ‏,‏ وَابْنِ شِهَابٍ ‏,‏ وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَدْرَكَ صَفْوَانَ‏.‏

وَأَمَّا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ مُرْتَفِعٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ ‏,‏ أَوْ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ أُخْتِ صَفْوَانَ وَهَذَا ضَعِيفٌ عَنْ ضَعِيفٍ عَنْ مَجْهُولٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَإِذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ أَثَرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ ‏,‏ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ طَلَبُ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الآثَارِ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا قَدْ صَحَّ بِالْبَرَاهِينِ الَّتِي قَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ ‏:‏ أَنَّ الْحَدَّ لاَ يَجِبُ إِلاَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى الْإِمَامِ وَصِحَّتِهِ عِنْدَهُ‏.‏ فَإِذْ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَالتَّرْكُ لِطَلَبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحٌ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ حَدٌّ بَعْدُ وَرَفْعُهُ أَيْضًا مُبَاحٌ ‏,‏ إذْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ ‏,‏ فَإِذْ كِلاَ الأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ ‏,‏ فَالأَحَبُّ إلَيْنَا دُونَ أَنْ يُفْتَى بِهِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ مَا كَانَ وَهْلَةً وَمَسْتُورًا ‏,‏ فَإِنْ أَذَى صَاحِبُهُ وَجَاهَرَ ‏:‏ فَرَفْعُهُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ